أبل

“صفحات من التعاون والصداقة: رحلة تاريخية بين سلطنة عمان وكوريا الجنوبية”

في تعاون مشترك بين سفارة سلطنة عُمان في العاصمة الكورية سول والهيئة الوطنية للأرشيف والمحفوظات، تم إصدار كتاب جديد بعنوان “سلطنة عمان: التعاون التاريخي والصداقة مع جمهورية كوريا”. الكتاب من تأليف الدكتور هي سو لي، الباحث الكوري المعروف بكتاباته الغنية في مجال التاريخ والعلاقات الدولية، والذي يعكس اهتمامه العميق بالعلاقات بين سلطنة عمان وكوريا الجنوبية.

الكتاب الصادر بلغتين، العربية والكورية، يتألف من سبعة فصول تسلط الضوء على التعاون الطويل الأمد بين البلدين، وتبرز الأهمية الاستراتيجية لسلطنة عمان في منطقة الخليج، وكذلك مدى تأثير هذا التعاون على العلاقات السياسية والاقتصادية المعاصرة بين البلدين. يمكن القول إن هذا العمل جاء في وقت مناسب حيث تسعى العديد من الدول إلى تعميق روابطها مع دول الخليج التي باتت لاعبًا محوريًا في الشؤون السياسية والاقتصادية الدولية، وكوريا الجنوبية ليست استثناءً.

سلطنة عمان

العلاقات التاريخية بين عمان وكوريا
عند الحديث عن العلاقات بين سلطنة عمان وجمهورية كوريا، يتعين علينا أن نعود إلى الأبعاد التاريخية العميقة لهذه العلاقة. بدأت هذه العلاقات بشكل رسمي في القرن العشرين، حين أقامت الدولتان روابط دبلوماسية رسمية، لكن المثير للاهتمام هو أن الروابط بين شعبي البلدين تمتد إلى فترات أقدم بكثير. يُشير بعض المؤرخين إلى وجود تواصل تجاري بين التجار العمانيين والكوريين عبر طرق التجارة البحرية القديمة، مما يجعل هذه العلاقة أعمق من مجرد تعاون سياسي واقتصادي.

استنادًا إلى ما يقدمه الدكتور هي سو لي في كتابه، يتم تسليط الضوء على هذه العلاقات المبكرة التي بنيت على التبادل التجاري والثقافي بين الشعبين. ويرى الكاتب أن هذه العلاقات لم تقتصر على تبادل البضائع فقط، بل تعدتها إلى تبادل المعرفة والثقافة، وهو ما يُعد ركيزة أساسية لفهم مدى متانة العلاقة الحالية بين البلدين.

التعاون الاقتصادي والسياسي في العصر الحديث

سلطنة عمان وكوريا الجنوبية تحتفظان بعلاقات متينة مبنية على المصالح المشتركة، لاسيما في مجالات الطاقة والتكنولوجيا. سلطنة عمان، التي تعتبر واحدة من أكبر مصدري النفط والغاز الطبيعي في المنطقة، تمثل شريكًا اقتصاديًا استراتيجيًا لكوريا الجنوبية التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة لدفع عجلة صناعتها واقتصادها. إلى جانب ذلك، تشهد السنوات الأخيرة تعاونًا متزايدًا في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، حيث تستفيد عمان من الخبرات الكورية في تطوير البنية التحتية التكنولوجية والتصنيع.

في السياق نفسه، يركز الدكتور هي سو لي في كتابه على البعد السياسي لهذا التعاون، مشيرًا إلى أن العلاقات السياسية بين البلدين اتسمت بالاستقرار والاحترام المتبادل، حيث تشترك الدولتان في مبادئ دبلوماسية قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية والتعاون لتحقيق التنمية المستدامة. ويؤكد الكاتب أن هذا التعاون لا يقتصر فقط على الجانب الحكومي، بل يمتد ليشمل القطاع الخاص والمجتمع المدني، مما يعزز من قوة العلاقات الثنائية بين البلدين.

التبادل الثقافي بين البلدين

إلى جانب التعاون الاقتصادي والسياسي، يشير الدكتور هي سو لي إلى الدور الكبير الذي يلعبه التبادل الثقافي بين عمان وكوريا في تعزيز العلاقات بين الشعبين. فقد شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا من قبل الكوريين بالتعرف على التراث العماني والثقافة العربية بشكل عام. من ناحية أخرى، هناك اهتمام عماني متزايد بالتعرف على الثقافة الكورية وفنونها المتنوعة، مما أسهم في تنظيم فعاليات ثقافية مشتركة تهدف إلى تعزيز الفهم المتبادل بين الشعبين.

في هذا الإطار، كانت هناك العديد من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي، مثل المعارض الفنية والأنشطة الثقافية التي أُقيمت في البلدين، وكذلك برامج التبادل الطلابي التي تسمح للطلاب العمانيين والكوريين بالاستفادة من تجربة التعليم في الدولتين. يعتبر الدكتور هي سو لي أن هذا التبادل الثقافي هو جسر قوي للتواصل بين الأجيال الشابة في كلا البلدين، ويعزز من الفهم المشترك بينهما.

كتاب سلطنة عمان

التعاون في مجال التعليم والبحث العلمي

من الجوانب التي يوليها الكتاب أهمية خاصة هو التعاون في مجال التعليم والبحث العلمي. في السنوات الأخيرة، شهدت سلطنة عمان وكوريا الجنوبية نموًا في العلاقات الأكاديمية، حيث باتت الجامعات والمؤسسات البحثية في البلدين تعمل بشكل متزايد على مشاريع مشتركة تهدف إلى تبادل المعرفة والتكنولوجيا. وقد أسهمت هذه الشراكات في تعزيز القدرات البحثية للجامعات العمانية والاستفادة من الخبرات الكورية المتقدمة في مجالات مثل الهندسة والتكنولوجيا الطبية.

يشير الدكتور هي سو لي إلى أن هذه الشراكات التعليمية ليست فقط وسيلة لتبادل المعرفة، ولكنها تمثل أيضًا استثمارًا طويل الأمد في العلاقات الثنائية، حيث تُمهد الطريق لخلق جيل جديد من الشباب العماني والكوري الذين يملكون القدرة على قيادة هذه العلاقة في المستقبل. ويرى الكاتب أن هذا التعاون التعليمي يشكل إحدى الركائز الأساسية للعلاقات الثنائية بين البلدين.

مستقبل العلاقات العمانية الكورية

في ختام كتابه، يتطرق الدكتور هي سو لي إلى مستقبل العلاقات بين سلطنة عمان وجمهورية كوريا. يرى الكاتب أن هذه العلاقات مرشحة للنمو بشكل كبير في السنوات القادمة، خاصة في ظل التغيرات التي يشهدها النظام الدولي وتزايد أهمية منطقة الخليج في السياسة والاقتصاد العالميين. يعتقد الكاتب أن التحديات التي تواجه العالم اليوم، مثل التغير المناخي والتحولات التكنولوجية السريعة، توفر فرصًا جديدة للتعاون بين البلدين، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة والابتكار التكنولوجي.

بالتالي، يرى الدكتور هي سو لي أن العلاقة بين عمان وكوريا لا تقتصر على الحاضر، بل هي شراكة تمتد للمستقبل، تقوم على أسس التعاون والاحترام المتبادل وتستند إلى تاريخ طويل من التواصل والتبادل الثقافي والاقتصادي.

لذاتأتي أهمية إصدار هذا الكتاب في وقت تتزايد فيه أهمية تعزيز الفهم المتبادل بين الدول وتوطيد العلاقات الثنائية. من خلال استعراض تاريخ العلاقات بين سلطنة عمان وجمهورية كوريا، يُبرز الدكتور هي سو لي أهمية التواصل الثقافي والسياسي والاقتصادي بين البلدين. الكتاب ليس مجرد تأريخ للعلاقات الثنائية، بل هو دعوة لتعزيز هذه العلاقات وبناء جسور جديدة من التعاون، ليس فقط في المجالات الاقتصادية والسياسية، ولكن أيضًا في المجالات الثقافية والعلمية.

تعتبر العلاقات بين سلطنة عمان وكوريا الجنوبية مثالًا يحتذى به في العلاقات الدولية المبنية على التعاون والاحترام المتبادل، ويُظهر الكتاب كيف يمكن للدول أن تستفيد من تاريخها المشترك لتعزيز التعاون في المستقبل.

شاهد أيضاً

البنك المركزي العماني يكشف نتائج مزاد الإصدار الثاني والسبعين من السندات الحكومية التنموية

أعلنت البنك المركزي العماني (CBO) عن نتائج مزاد الإصدار الثاني والسبعين من السندات الحكومية التنموية، …