إسدال الستار على قمة الذكاء الاصطناعي في الرياض: 80 اتفاقية لتعزيز الابتكار وتطوير البنية التحتية
على مدار ثلاثة أيام مليئة بالنقاشات المثمرة والابتكارات التكنولوجية، اختتمت الرياض أعمال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي لعام 2024. هذا الحدث، الذي يُعد واحدًا من أهم التجمعات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، شهد مشاركة مئات الخبراء والمختصين من مختلف دول العالم، حيث تم توقيع 80 اتفاقية ومذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز الابتكار وتطوير البنية التحتية الرقمية في المملكة العربية السعودية.
إطلاق أول إطار عالمي لمعايير الذكاء الاصطناعي
من أبرز الإعلانات خلال القمة، إطلاق الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) أول إطار عالمي مختص بمعايير الذكاء الاصطناعي.
هذه المبادرة الرائدة تمثل خطوة استراتيجية لتوحيد المعايير العالمية لاستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول ومستدام، مما يضمن توازناً بين الابتكار والتكنولوجيا من جهة والحفاظ على القيم الإنسانية من جهة أخرى.
يمثل هذا الإطار إضافة كبيرة ليس فقط للسعودية، ولكن للمجتمع العالمي ككل، حيث يُمكن أن يكون نموذجًا يُحتذى به في الدول الساعية إلى تحقيق تقدم في هذا المجال.
برنامج “علام”: تعزيز مكانة اللغة العربية في الذكاء الاصطناعي
أحد الإنجازات البارزة التي تم الكشف عنها خلال القمة هو إطلاق برنامج “علام”، الذي يهدف إلى تطوير نموذج لغوي كبير باللغة العربية بالتعاون مع شركات عالمية مثل “إنفيديا” و”مايكروسوفت”. يعد هذا المشروع إنجازًا تقنيًا مهمًا، حيث سيعمل على تمكين اللغة العربية من الانخراط في بيئة الذكاء الاصطناعي على نطاق عالمي. يُعد “علام” جزءًا من جهود المملكة في الحفاظ على الهوية الثقافية واللغوية للعالم العربي في عصر التقنية الحديثة.
تعاون عالمي لتعزيز الابتكار وتوسيع البنية التحتية
القمة شهدت تعاوناً مثمراً بين “سدايا” والعديد من الشركات العالمية الكبرى مثل “إنفيديا” لتوسيع البنية التحتية الرقمية للمملكة باستخدام 5,000 وحدة معالجة رسومية (GPU).
هذا التعاون يهدف إلى تسريع عمليات البحث والتطوير في مجالات الذكاء الاصطناعي، ويعكس التزام السعودية بتبني أحدث الابتكارات التقنية لتحقيق أهداف رؤية 2030.
إلى جانب ذلك، تم توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة التعليم لدمج برنامج “علام” في نظام التعليم السعودي، مما يمهد الطريق لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين تجربة التعلم الذاتي وتطوير أدوات دعم للمعلمين. كما تم الإعلان عن تعاون مع شركة IBM لاستضافة نموذج “علام” ومنصة “Watsonx” ضمن السحابة الحكومية “ديم” المُدارة بالكامل بكفاءات وطنية. هذا التعاون يسهم في تمكين الجهات الحكومية من تسريع أعمالها بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
الذكاء الاصطناعي: تكنولوجيا تعيد تشكيل القطاعات الحيوية
أحد المحاور الرئيسية التي تناولتها جلسات القمة هو التأثير العميق للذكاء الاصطناعي على مختلف القطاعات، بدءًا من التعليم إلى السياحة وحتى إدارة النفايات.
في قطاع السياحة، تم توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة السياحة لإنشاء مركز تميز للذكاء الاصطناعي، والذي سيسهم في تحسين العمليات التشغيلية وتعزيز تجربة الزوار. وفي مجال التعليم، يسعى برنامج “علام” إلى تقديم أدوات تعليمية مبتكرة قائمة على الذكاء الاصطناعي، مما يسهم في تطوير المهارات والقدرات الأكاديمية في المملكة.
وفي سياق آخر، تناولت القمة قضية إدارة النفايات باستخدام حلول التكنولوجيا الناشئة، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم مع المركز الوطني لإدارة النفايات لتطوير حلول مستدامة باستخدام الذكاء الاصطناعي. هذا التعاون يعزز التزام المملكة بتحقيق الاستدامة البيئية، ويبرز كيف يمكن للتكنولوجيا أن تلعب دورًا فعالًا في تطوير الحلول المستدامة.
تعزيز التعاون الدولي: اتفاقيات شراكة استراتيجية
لم يقتصر التركيز خلال القمة على المبادرات المحلية، بل امتد ليشمل تعزيز التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي. ومن أبرز هذه الشراكات، اتفاقية بين “سدايا” وشركة “NAVER” الكورية لتطوير نموذج لغوي باللغة العربية. هذه الشراكة تعكس التزام السعودية بتطوير أدوات ذكاء اصطناعي تُمكّن المستخدمين الناطقين باللغة العربية من الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة.
كما وقّعت “سدايا” اتفاقيات مع عدد من المؤسسات الأكاديمية والشركات العالمية مثل “Pearson” و”IBM” لتطوير قدرات الكوادر الوطنية، مما يساهم في بناء جيل جديد من المهارات التقنية المتقدمة. هذه الجهود تأتي في إطار رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى تطوير قوى عاملة وطنية متقدمة تدعم الاقتصاد الرقمي والابتكار التكنولوجي.
منصة “ثاق.اي”: تحوّل في مشاركة البيانات العالمية
في إطار التزام المملكة بتسريع التحول الرقمي، أطلقت “سدايا” منصة “ثاق.اي” (THAK.AI)، التي تُعد الأولى من نوعها عالميًا في مجال مشاركة البيانات والمحتوى المرتبط بالذكاء الاصطناعي. هذه المنصة تهدف إلى تمكين الحكومات والشركات من الاستفادة من البيانات بشكل فعال لتحقيق قرارات مبنية على تحليل دقيق وتوقعات مستقبلية موثوقة.
إضافة إلى ذلك، تم إطلاق “ديم”، السحابة الذكية، التي تقدم حلولًا متقدمة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. هذه البنية التحتية المتطورة تسهم في دعم التحول الرقمي للمؤسسات الحكومية والخاصة على حد سواء، مما يعزز من قدرة المملكة على الريادة في هذا المجال.
القمة العالمية: منصة لنقل التكنولوجيا والابتكار
من خلال 465 متحدثًا ومشاركًا قدموا من أكثر من 100 دولة، نجحت القمة في أن تكون منصة فريدة للتفاعل بين العقول المبدعة وأصحاب القرار.
وناقش الخبراء نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وتأثيرها على تحسين جودة الحياة، وتسريع وتيرة الابتكار في مجالات متعددة. كما تم تسليط الضوء على سبل تقريب الفجوة بين الابتكار الأكاديمي والتطبيق العملي للذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
خطوات متقدمة نحو مستقبل يعتمد على الذكاء الاصطناعي
في ختام القمة، أكدت “سدايا” على التزامها بمواصلة جهودها في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحقيق الابتكار المستدام. 80 اتفاقية ومذكرة تفاهم تم توقيعها تشكل قاعدة صلبة لمستقبل يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا الرقمية. كما أن هذه القمة تعزز من مكانة السعودية كلاعب رئيسي في المشهد العالمي للذكاء الاصطناعي، مما يدعم أهداف رؤية 2030 في تحقيق التحول الرقمي والابتكار.